عاصفة واحدة لا تكفي!!! - هالة عماد
عاصفة واحدة لا تكفي

عاصفة واحدة لا تكفي!!!

عاصفة واحدة لا تكفي

ربما ما مررنا به من أحداث جسام في اليومين السابقين يجسد مثالا قويا لغفلتنا التي نحياها منذ فترة طويلة

استفقنا منذ شهر أو يزيد على فيروس قاتل لا أعراض له تقريبا سوى أعراض البرد العادي، ظللنا نطمئن أنفسنا أننا في النصف الآخر من الكرة الأرضية وأن الله حصّن بلادنا بجوها الدافيء الذي لا يناسب الفيروس اللعين وأن حكومتنا تؤكد عدم وجود حالات مصرية، تعاملنا مع رعب يهدد العالم بأكمله بمنتهى البرود وزدنا على ذلك تهكمنا وسخريتنا وفكاهتنا التي تميز شعبنا عن باقي الكون!

واصطدمنا في بداية الاسبوع الماضي بإعلان 14 حالة في محافظة الأقصر وصدمنا لعداد الكتروني ينبأنا بحالة كل ساعة تقريبا!!!!

كانت بداية الاسبوع مرعبة وإن ظللنا نهمش الأمر ونرجو في قرارة أنفسنا أن يكون أصغر مما يصوره خيالنا، ليأتينا التنين في نهاية الإسبوع مهددا لكل أمان نعمنا به!!

عاصفة التنين التي هددت مصر في نهاية الاسبوع والتي حذرت منها الأرصاد الجوية والتي اجتهدت الحكومة في تقليل خسائرها باعطاء العاملين بجميع قطاعات الدولة عطلة رسمية تحسبا للكوارث التي قد تحدث والتي قابلناها ايضا بالمزيد من الفكاهة والكوميكس المصورة عن حال الأسر المصرية في ضوء الشموع وانقطاع الانترنت و حالنا عند التعامل مع ما يستجد وفقا للظروف، حاولت التخفيف من قلقي بشراء كل ما يمكن أن احتاجه في منزلي الشموع الخضروات الفواكه المسليات والخبز والبقالة، ثم انسحبنا الى داخل منازلنا تباعا……

 الامطار يوم الاربعاء كانت ليلا ولم تكن شديدة، ولكني استيقظت في الصباح على انقطاع التيار الكهربي وعلى المطر الغزير الذي لا يتوقف، في البداية تعاملت بعفوية تميل للطفولة وتهللت لرؤية الامطار، ولكن حين لم يتوقف المطر بعد عدة ساعات اصابني الكدر والقلق، وشعرت بخوف لا مبرر له، ظللت اطمئن نفسي ان الامر سينتهي لامحالة وان الامطار اخف وطأة من من الرياح والاعصار الذي كان يهددنا، ولكن وسائل التواصل الاجتماعي كعادتها كانت تمارس مهمتها الأثيرة في الاعلان عن الحوادث والمصائب والانهيارات الى جانب تاكيد الجميع أن العاصفة لم تبدأ بعد!!!

كنت مازلت على الجانب الايجابي من الموقف الحمد لله بيوتنا تحمينا الحمد لله كلنا هنا سويا الحمد لله لا نحتاج شيئا من الخارج، ثم بدأالأمان يتسرب شيئا فشيئا….

البيت أعلن عدم قدرته تحمل المزيد من الأمطار وبدأ يسرب المياه، كانت مجرد بضع نقاط هنا وهناك ولكن بعد فترة وجيزة امتلات غرفة ابنتي بالمياه التي اغرقت السجادة وفاضت في انحاء المنزل اخرجنا كل الاشياء خارج الغرفة حتى الملابس، وحاولنا التعامل مع الامر وتحول الموضوع من هزلي الى مرعب حين حملنا اواني الطعام لنضعنها هنا وهناك داخل الغرفة في محاولة للسيطرة على وجود المياة في غرفة واحدة على الأقل….

دقائق قليلة وكان الحمام أيضا في وضع مشابه لغرفة حبيبة!!!

لم تعد الامطار بالخارج أصبحت بالداخل

المنزل لم يعد آمنا

اصابنا الارهاق البدني والنفسي في محاولة السيطرة على الوضع وهو الشيء الذي باء بالفضل واشعرنا بالعجز!

تغافلنا عن الماء الذي يتسرب خارج الغرفة وتعاملنا مع باقي المنزل بحيادية في محاولة لتهدئة الوضع الراهن وكانت الكهرباء قد عادت فشغلنا انفسنا بالهواتف والتلفاز ثم تطاير الشرر من غرفة ابنتي، المياة وصلت لمفاتيح الكهرباء والتي اصدرت اصواتا غريبة مع الشرر ورائحة احتراق الأسلاك، اسرعنا لفصل الكهرباء عن ذلك الجزء من المنزل وتقوقعت في غرفتي في رعب حقيقي!!

البيوت لم تعد آمنة ولم تعد تمثل مصدرا للأمن والأمان البيوت تتحول لوحوش قادرة علي الفتك بنا في أي لحظة، الماء الذي جعل الله منه كل شيء حي امسى يمثل خطرا وتهديدا وقوة قاتلة

(وظنوا أن مانعتهم حصونهم من الله ) يا الله هل غفلنا الى هذا الحد؟؟؟ هل احتمينا بالحصون المشيدة والمنازل والأحياء الفارهة والأسوار والحراس حتى غرتنا الدنيا وعمينا عن حقيقة ضعفنا!!!

لمن الملك اليوم؟؟

لو اراد أن يغرقنا لأغرقنا ولو أراد أن يخسف ببيوتنا الأرض لفعل، بكيت لأني غفلت ونسيت أن الأمان والحمى هو الدعاء ( ربنا ارفع مقتك وغضبك عنا )

كانت الامور تزداد سوء ساعة بعد اخرى ثم انقطعت المياه، نحافظ على الماء الذي اكتنزناه في البيت بينما الشوارع تغرقها الأمطار بالخارج مفارقة أخرى استدعت مني الوقوف بجانبها قليلا والتفكر!

نظرة واحدة على الشوارع الخالية كانت تفي بالغرض لأعيد حساباتي من جديد

الشمس التي لا تمل من الخروج علينا يوميا نعمة متى شكرت الله عليها؟؟

الشوارع الجافة نعمة متى شكرت الله عليها؟

المياه التي افتح الصنبور لأجدها نعمة، والضوء الذي غاب قليلا نعمة والنهار الذي اعتم فجأة نعمة وخروجنا لعمل نكرهه نعمة وبقائنا في بيوت نتمني تغييرها نعمة

يا الله ( وقليل من عبادي الشكور )

بدأ الجو في الهدوء قليلا في ليل اليوم التالي حينها علمت بموت المدرب ومعلم التاي تشي أحمد شعبان غريقا في نويبع بعد عدة أشهر من إعلانه أنه نال ميراث مدرسة جبل ودانج كأول عربي يفعل ذلك…..

ذكرني أحمد بالكاتب محمد حسن خليفة كلاهما اجتاز مراحل شديدة الصعوبة ليصل إلى هدف جميل وفي قمة سعادتهما بالوصول يختطفهما الموت ، رحمهما الله وأسكنهما فسيح جناته.

الحياة تظل على قدرتها على تغيير فكرتك عن الموت والحياة والربح والخسارة والقوة والضعف يوما بعد يوم، كن على يقين أنك لاتحتاج إلى العواصف دائما لإدراك بعض الأمور وترتيب أولوياتك، وكن على يقين أيضا

أن عاصفة واحدة لا تكفي!!!!

3 أفكار عن “عاصفة واحدة لا تكفي!!!”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

Scroll to Top